الأسئلة المحتملة التي يمكن أن تأتي في البكالوريا في ضرورة الفرضية
- هل الفرضية ضرورية ام غير ضرورية؟
- هل الأحكام المسبقة لازمة أم غير لازمة؟
- هل يمكن الإستغناء عن التفسير العقلي المؤقت في التجربة؟
مقالة فلسفية لضرورة الفرضية
المقدمة
بعد القرن السابع عشر، ظهر المنهج التجريبي، والذي يقوم على فكرة إجراء التجارب على المواد الجامدة من خلال اتباع مراحل محددة. تبدأ هذه المراحل بالملاحظة، وهي المشاهدة المباشرة للموضوع. تليها مرحلة الفرضية، والتي تُعرف بأنها "تفسير عقلي مؤقت". بعد ذلك تأتي مرحلة التجربة، التي تمثل الجانب العملي من هذا المنهج، وتنتهي بضبط القانون.
ولكن حول مدى ضرورة وأهمية الفرضية، نشأ جدل أدى إلى انقسام المفكرين والعلماء إلى فريقين متعارضين. يرى الفريق الأول أن الفرضية ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها، بينما يعارضهم الفريق الثاني، مؤكداً أن الفرضية غير ضرورية، ويمكن للباحث الانتقال مباشرة من الملاحظة العلمية الدقيقة إلى التجربة.
بناءً على هذا الاختلاف، يطرح الإشكال التالي نفسه: هل الفرضية ضرورية أم غير ضرورية؟ وهل الأحكام المسبقة لازمة أم غير لازمة؟
الموقف الأول
يرى أصحاب الرأي الأول أن الفرضية خطوة ضرورية ولا يمكن التخلي عنها في المنهج التجريبي؛ إذ إن هناك تسلسلاً منطقيًا بين مراحل هذا المنهج، وأي محاولة لإلغاء مرحلة ما قد تؤدي إلى أخطاء في البحث العلمي. ومن أبرز المدافعين عن هذا الرأي العالِم الرياضي بوانكاري وعالِم الأحياء كلود برنارد والعالم ماكس بلانك، وقد استندوا في ذلك إلى عدة حجج.
يؤكد هؤلاء العلماء أن الأحكام المسبقة ضرورية في عملية التجريب، لأن هناك ظواهر دقيقة وغير مرئية لا يمكن التعامل معها عن طريق الملاحظة المباشرة فقط، مثل الطاقة التي تتكون من كوانتات صغيرة منفصلة. فلدراستها نحتاج إلى ضرب تردد الظاهرة في ثابت بلانك لمعرفة مقدارها. كذلك، هناك العديد من أشكال الطاقة التي يصعب رؤيتها، كالتدفئة الحرارية من باطن الأرض والطاقة النووية الناتجة عن الانشطار أو الاندماج النووي، وأيضًا الإلكترون الذي لا يُرى بالعين المجردة ويحتاج إلى مجهر إلكتروني لدراسته؛ ذلك لأن سرعته الكبيرة تجعله يظهر في أماكن متعددة في وقت واحد، ما يستلزم استخدام الفرضيات لفهمه. ومن الظواهر الأخرى التي تُدرس بالفرضيات ظواهر الضوء مثل الانعكاس والانكسار.
ومن الأمثلة على أهمية الفرضية في العلوم، يورد ماكس بلانك قوله: "كلما تقدم العلم تقدمت الفرضيات العقلية"، ما يدل على وجود علاقة قوية بين التقدم العلمي والفرضيات العلمية.
أما فرانسو هوبير، العالم السويسري الأعمى، فقد اعتمد في تجاربه على خادم يراقب ويرصد ما يحدث في المختبر، فيما يوجهه هوبير بالفرضيات التي تساعده في تحليل النتائج. من خلال هذا التعاون، تمكّن هوبير من الوصول إلى اكتشافات علمية لم يكن ليصل إليها الخادم وحده، ما يدل على دور الفرضية في تحقيق نتائج علمية دقيقة.
كذلك، في علم الأحياء، أكد كلود برنارد أن "الفرضية هي نقطة انطلاق التجريب، والملاحظة وحدها لا تكفي"، مستشهداً بأن جسم الإنسان والمادة الحية عمومًا تحتوي على تعقيدات دقيقة لا يمكن الوصول إليها بالملاحظة فقط، وقد ساعدته الفرضيات في الوصول إلى نظريات علمية دقيقة. ومن أبرز تجاربه تجربة الأرانب، حيث قارن بين أرانب المنزل وأرانب السوق، وافترض أن أرانب السوق كانت في حالة صوم، فاختبر فرضيته بإدخال أرانب المنزل في حالة صوم، ليكتشف صحة فرضيته ويثبت قانونًا علميًا.
ويستند بوانكاري أيضًا إلى مثال يوضح أهمية الفرضية، إذ يقول: "كما أن تراكم الحجارة لا يبني بيتًا، كذلك تراكم الحقائق لا يصنع علمًا". فالحجارة وحدها لا تبني منزلًا دون وجود مهندس يضع نموذجًا عقليًا، وكذلك الحقائق العلمية تتطلب تصورًا عقليًا سابقًا، وإلا فستبقى الحقائق منفصلة دون تحقيق تقدم علمي حقيقي.
ويضيف بوانكاري: "التجريب دون صورة سابقة يجعل التجربة عقيمة"، و"الفرضية هي الخيط الذي يربط عقد الجوهر". وهذه الأقوال تؤكد أن التفسيرات العلمية لا يمكن الوصول إليها بالملاحظة فقط، لأنها قد تخطئ أحيانًا. فعلى سبيل المثال، يبدو لنا أن الشمس صغيرة الحجم عند النظر إليها، لكنها في الواقع أضعاف حجم الأرض، وتصحيح هذا الفهم كان بفضل الفرضيات العقلية. وفي مثال آخر، ظن الناس قديمًا أن الأجسام تسقط لأن الطبيعة تكره الفراغ، لكن الفرضيات العلمية قادت إلى تفسير أدق بأن السبب هو الجاذبية والضغط الجوي، ما يدل على أن الفهم السليم يعتمد على العقل لا الحواس فقط.
النقد
لقد أصاب أصحاب هذا الموقف في جوانب عديدة، إلا أنهم بالغوا في تعظيم دور العقل إلى حد كبير. فالعقل، رغم أهميته، عرضة للخطأ لأنه يتأثر بالميول والعواطف والرغبات، مما قد يؤدي إلى تشويش عملية البحث. كما أن اتباع الفرضية أحيانًا قد يسبب للباحث ضياعًا للوقت والجهد والمال، وفي نهاية المطاف قد لا تحقق الفكرة النجاح المنشود.
الموقف الثاني
يرى أنصار الأطروحة الثانية أن الفرضية غير ضرورية، ويمكن الاستغناء عنها بالانتقال مباشرة من الملاحظة العلمية إلى التجربة، مما ينتج نظريات علمية دقيقة. من أبرز المدافعين عن هذا الموقف: "إدموند غوبلو"، "جون ستيوارت ميل"، "آلان"، و"ماجندي". حججهم تتلخص في أن الفرضية تتعارض مع دقة العلم وموضوعيته، حيث إن الفرضية قابلة للخطأ لأنها تتضمن الظن والتكهن وتنبع من خيال ونفسية العالم، فهي ترتبط بالجانب النظري وتبتعد عن الجانب العملي. ويشيرون إلى مرحلة التفكير الميتافيزيقي التي تحدث عنها "أوغست كونت"، حيث كان الاعتماد فيها على النظريات والأفكار المجردة، والتي لم تُسهم في التقدم العلمي. بالمقابل، أدى التفكير الوضعي العملي إلى إنجازات ملموسة كالأسلحة النووية وأدوات الاتصال والنقل.
كما يعتبرون أن الملاحظة الدقيقة غالبًا ما تصحح أخطاء الفرضية، فمثلاً "أرسطو" افترض أن الأرض هي مركز الكون، إلا أن "كوبرنيكوس" باستخدام المنظار اكتشف العكس، وأن الشمس هي مركز الكون. ويقول "إدموند غوبلو" إن "الفرضية قفزة نحو الجهل". كذلك، أشار "جون ستيوارت ميل" إلى قواعد الاستدلال التجريبي التي تعتمد على التلازم بين الأسباب والنتائج، والتي تستند إلى الملاحظة وتتخلى عن الفرضية، حيث يرى أن الفرضية تقود إلى المجهول.
ويؤكد "آلان" أن الفرضية قد تشوش الباحث وتجعله يسعى لإثبات رأيه وخياله، حتى وإن كانت خاطئة، مما يهدر الوقت والمال والجهد ويحول هدف البحث من المعرفة إلى الدفاع عن الرأي الشخصي. وأخيرًا، يشدد "ماجندي"، أستاذ "كلود برنارد"، على أهمية التجرد من الذاتية، حيث يقول لتلاميذه: "اترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر"، مشيرًا بذلك إلى ضرورة التخلي عن الآراء الشخصية والعادات والمعتقدات عند إجراء التجارب لضمان الموضوعية في النتائج.
النقد
يعتبر ما جاء به أنصار هذا الموقف صحيحاً، إذ نبهوا إلى أن الفرضية قد تكون أحياناً خاطئة ومضللة، مما قد يُهدر الوقت والجهد في سبيل إثبات فكرة قد لا تكون دقيقة. ومع ذلك، فإن الاعتماد على الحواس وحدها في دراسة كل الظواهر ليس كافياً، لأن الحواس قد تكون غير قادرة على إدراك الظواهر المعقدة أو التي تتجاوز القدرة البشرية على الملاحظة المباشرة. كما أن هذا الموقف يميل إلى إنكار دور العقل، وهذا غير مقبول، حيث إن الإنسان كائن عاقل، والعقل هو ما يُميز البشر عن غيرهم من الكائنات. فالعقل يلعب دوراً حيوياً في تصحيح أخطاء الحواس وتوسيع نطاق المعرفة؛ فكل البشر يمتلكون حواساً، ولكن المعرفة تختلف بينهم بناءً على استخدام العقل والتفكير النقدي. وبذلك، يظل الفرض العقلي عنصراً جوهرياً يجعل البشر يتفوقون في الفهم والتحليل ويمنحهم القدرة على التقدم العلمي والتقني.
التركيب
بعد استعراض وجهات النظر المختلفة وتحليل الحجج المقدمة من كلا الموقفين، يبدو أن كل موقف يطرح جانبا من الحقيقة. فالموقف الأول يؤكد على ضرورة الفرضية كأداة تساهم في تقدم العلم وتساعد الباحثين في توجيه أبحاثهم، خاصة في الميادين التي يصعب فيها الاعتماد على الملاحظة المباشرة. من جهة أخرى، يعارض الموقف الثاني إلزامية الفرضية ويرى أنه يمكن الاستغناء عنها في بعض الحالات لضمان موضوعية ودقة التجربة العلمية.
يتضح أن أهمية الفرضية تعتمد بشكل أساسي على طبيعة الظاهرة المدروسة. ففي مجالات مثل العلوم المجهرية والذرية، وكذلك في العلوم النفسية والتاريخية، تكون الفرضية ضرورة لأن الملاحظة العينية المباشرة قد تكون مستحيلة، ويصبح دور العقل جوهرياً في صياغة الفرضيات والتوصل إلى استنتاجات. أما في الظواهر الطبيعية الواضحة والمباشرة التي يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، فإن دور العقل يتراجع ويصبح ثانوياً، حيث يقتصر على التحليل والتركيب بعد الملاحظة المباشرة.
بذلك، يمكن القول إن تكامل المنهجين – الاعتماد على الفرضية في الظواهر غير القابلة للملاحظة والتجريب المباشر عند توافر الملاحظة العينية – يسهم في تطور المعرفة العلمية بشكل شامل.
الخاتمة
في الختام، وكحل للتساؤل المطروح أعلاه، نستنتج أن تقدير ضرورة الفرضية في المنهج التجريبي يعتمد على طبيعة الدراسة وخصوصيتها. هذا يجعل من الفرضية عنصرًا محوريًا في بعض السياقات العلمية وقابلاً للتجاوز في حالات أخرى، مما يعكس تعدد الأسس المنهجية للبحث العلمي.
فمن جهة، لا يمكن إغفال أهمية الموقف الأول، إذ تعد الفرضية نقطة الانطلاق التي ترسم للعالم مسار البحث، وتوفر تفسيرًا علميًا منطقيًا قد لا تدركه الحواس وحدها. ومن جهة أخرى، لا يمكن إهمال قيمة الموقف الثاني الذي يؤكد أن الفرضية ليست ضرورية في كل الأحوال، وأن هناك حالات يمكن فيها الاعتماد على الملاحظة الدقيقة وحدها، بهدف تجنب التأثيرات الذاتية للعالم وضمان موضوعية النتائج.
وبذلك، يتضح أن البحث العلمي يستدعي مرونة منهجية تتناسب مع طبيعة كل ظاهرة مدروسة، حيث توظَّف الفرضية حينما تكون ضرورية وتُستغنى عنها حينما يكون ذلك ممكنًا.